لا زلت أذكر ذاك اليوم الذي دخلت فيه إلي مركز الأورام.. كنت أحدثها ليومين متتاليين دون أن ترد.. أرسلت لي رسالة بسيطة: أنا في المستشفى ما أبيك تقلقين..
وأعلم أنه الخبيث الذي نهش جسدها منذ أن كانت في الخامسة عشر.. ولكنها كانت دائماً أقوى منه..
فهدة.. ومقاهي القاهرة حتى العاشرة صباحاً..
فهدة.. وشوارع لندن المليئة بالمارة..
فهدة.. وأسواق دبي التي ملت..
فهدة.. وقصة صداقة بدأت أمام مرآة في فندق الميريديان بالقاهرة واستمرت ٨ أعوام دون إنقطاع..
فهدة.. وابتسامة لم تفارق شفاهها رغم الألم..
فهدة.. حكاية الصبر.. القوة.. والشجاعة..
حكاية فتاة قالت للمرض: لا تهمني.. أنا أهم منك.. وكانت دائماً تقول: لو بقي من عمري أشهر سأعيشها بكاملها ولن أخسر منها يوماً..
فهدة.. والقلب الذي كان يستمع لشكوانا وآلامنا دونما تذمر..
فهدة.. الابنة.. الأخت.. الصديقة.. الحبيبة..
فهدة.. الروح المليئة بالحياة..
كيف ترحل.. وتتركني دون قلب يستمع لشكاوى ما بعد منتصف الليل..
كيف ترحل دون أن نذهب معاً لتعلمني ركوب الخيل كما اتفقنا قبل أيام..
كيف ترحل دون أن تقبل فرسها التي تنتظرها كل يوم..
كيف ترحل دون أن نذهب معاً في الرحلة التي خططنا لها في إحدى مقاهي التحلية..
كيف ترحل دون أن تقول لي وداعاً..
كيف ترحل دون أن تحصنني بما يساعدني لمواجهة ألم فراقها..
كيف ترحل دون أن تعلمني كيف أصبر مثلها.. وأقوى مثلها.. وأبتسم مثلها..
كيف ترحل دون أن تنتظرني أقبل جبينها وأقول: ارقدي بسلام..
كيف ترحل على ذاك السرير الأبيض اللعين..
ولماذا الآن.. لماذا الآن وأنا أحوج ما أكون إليها لتساعدني على استجماع قواي والمضي في هذه الحياة..
لماذا أيها الموت تخذلني دائماً.. لماذا..
يا رب لا اعتراض على حكمك.. ولكن الفقد موجع.. موجع..
فهدة.. كيف يحتضنها قبر صغير بعض أن احتضنها البياض أعواماً..
يا رب أجرني في مصيبتي وأخلفني خيراً منها.. يا رب أجرني في مصيبتي وأخلفني خيراً منها..
فهدة.. ستبكيك نجد.. والحجاز.. وأرض اليمن التي طالما تمنينا زيارتها ..
ستبكي روحك النقية.. وقلبك المليئ بصفاء ندر هذه الأيام..
وسيبكيك قلبي الذي أحبك.. كنت نعم الرفيقة والصديقة..
رحمك الله يا غالية..
رحمك الله يا حبيبة..
إنا لله وإنا له راجعون.. إنا لله وإنا له راجعون..